الطابع الروحاني الساحر
روح الطبيعة (Wild breathe)
أنت، يا من حييت من الماضي
روحًا من الزمن البعيد
روحًا للخلود
تسافر من الماضي السحيق وحتى نهاية الزمان
تُبث من ريح الجنوب أنفاسك
“إن الله لمّا أراد أن يخلق الخيل، أوحى إلى ريح الجنوب أني خالق منكِ خلقًا، فأخذ منها قبضةً، ثم خلق الله تعالى منها فرسًا كميتًا، ثم قال:
“خلقتك فرسًا، وجعلتك عربيًا. جعلت الخیر معقودًا بناصیتك. وعلى ظهرك تُقاد الغنائم، وفي بطنك الأجر والكنز. جعلتك عزًا في الأرض…وجعلتك تطير بلا جناحين.”
– من أحد الأساطير البدوية القديمة
أصول السلالة
إن المنشأ الأصلي للسلالة غير معروف، إلّا أن تطورها مرتبط بشكل مؤكد بظروف الحياة الخاصة التي تربّت فيها: في المناطق شبه الصحراوية في الشرق الأوسط، حيث لا يمكن لأي حصان البقاء من دون مساعدة الإنسان. كان البدو يعيشون دائمًا جنبًا إلى جنب مع خيولهم. ونظرًا إلى اعتزازهم بها، قاموا بتربيتها لما تتميز به من جمال وذكاء وقدرة على الصمود. في المجتمع البدوي، كانوا يعدّون الخيل العربية منحةً من الله ويتعاملون معها على هذا الأساس.
في المئة يوم الأولى من حياتها، كان يتم إطعامها حليب الإبل، أما في المئة يوم التي تليها، كانوا يخلطون الحليب بكمية قليلة من القمح. بعد انتهاء هذه الفترة، كان يُسمح للمهر بالرعي وسط مراعي الحشائش الناعمة الجافة المحيطة بخيمة صاحبه. كان الحصان يتناول الشعير ويشرب لبن الإبل في المساء، شأنه شأن أي من أفراد العائلة.
في الماضي، كانت الخيل العربية الأصيلة مصدر إلهام للشغف المتعصب من ناحية الحميّة الدينية الحقيقية، كما تحظى الآن بالاحترام الشديد في مزارع الخيول والتي تُعد محافل أصيلة لهذه السلالة.
ثمة أساطير لا حصر لها حول أصول الحصان العربي. وكان للأساطير التقليدية، ومنها تلك الأسطورة البدوية التي ورد ذكرها أعلاه، أثر في إحاطة جذور نشأة الحصان العربي بهالة من الغموض.
Asil
ولكن هناك قصة قديمة مماثلة تروي ما يلي، “في البداية، منح الله إسماعيل ابن إبراهيم هديةً مصنوعة من الضباب والغبار، كمكافأة لإسماعيل على إيمانه وإخلاصه في عبادة رب والده. وخرجت من وسط الضباب والغبار أول فرس عربية أصيلة، والتي كانت مهرةً في ذلك الوقت، ثم أنجبت ابنًا.” – أسطورة ويتمان وحقيقة الخيل العربية من سلالة بلو ستار (Whitman Legend and Reality of Blue Star Arabians)
قبل 400 عام من بناء أول هرم، كانت الخيل العربية مُستأنسةً للغاية حتى إنها اكتسبت بعضًا من تلك الصفات الإنسانية التي يسعى الآباء إلى غرسها في أبنائهم: كالولاء والمهارة والثبات. بخلاف أغلب الحيوانات الأخرى، يسعى الحصان العربي إلى إرضاء صاحبه ويكون مستعدًا للمخاطرة بحياته فداءً له.
رائد Dixon Denham
“ثمة مواقف قليلة في الحياة يشعر فيها المرء بشدة وطأة الخسائر من هذا النوع، وكان هذا أحد تلك المواقف. لم يكن ذلك الشعور حزنًا، ولكنه كان أقرب ما يكون منه، وبالرغم من أني شعرت بالخزي من مدى الاختلال العقلي الذي عانيت منه، إلّا أن الأمر استغرق أيامًا عديدةً لأتجاوز الخسارة. ومع ذلك، فليتذكر الجميع أن الحيوان المسكين كان مصدر دعمي وراحتي، بل أقول إنه كان رفيقي خلال العديد من الأيام والليالي الموحشة. لقد تحملت الجوع والعطش في أثناء خدمتي، وكان مطيعًا لدرجة أنه كان يقف ثابتًا لساعات في الصحراء بينما أنا نائم بين أرجله، ليكون جسده بمثابة الواقي الوحيد لي من الشمس الحارقة التي تصبّ حرّها الشديد في وقت الظهيرة. لقد كان الأسرع والأكثر رشاقة، بل إنه كان دومًا سابقًا كالبرق.”
هذا ما كتبه القائد ديكسون دينهام (Dixon Denham)، المستكشف والضابط في الجيش البريطاني، الذي سافر من طرابلس بليبيا عبر الصحراء الكبرى في شتاء عام 1823، في وصف حصانه الفحل العربي الذي مات في مكان ما جنوب خط الاستواء. كانت الخيل العربية ولا تزال نموذجًا يمثل القوة والشجاعة.
إن الجمال والمهارة الحقيقيين للخيل العربية يمنحانها سمات الرقي الطبيعي، وذلك لما تتميز به من رأس نحيف نبيل، وأذنين صغيرتين منحنيتين قليلاً، وعينين كبيرتين لامعتين تبدوان وكأنهما خُلقتا لتتبلورا ككرتيّ رخام عملاقتين، ولكن لهما نظرةً تضاهي في رقّتها نظرة فتاة حنون؛ ومنخارين كبيرين يؤكدان استمرار الحصان في التنفس بكفاءة عند العدو السريع، وعنق طويل، وعضلات ضخمة متموجة مخملية الملمس، وذيل مرفوع يرفرف في الهواء.
ومن ثمّ، فإن الخيل العربية تُعد رمزًا للجمال بين مختلف أنواع الخيول. إنها مُفعمة بالحسّ المُرهف وتتسم بالجرأة والقوة والتواضع والذكاء المتّقد والحيوية والولاء والمظهر النبيل الراقي، كما أنها تملك حاسة سمع قوية ومهارات توجيه دقيقة بصورة استثنائية، بالإضافة إلى عظام قوية نحيفة، وقلب كبير حنون. فتمنحها كل هذه السّمات قوة التحمّل وتفرّدها الأسطوري.
الجمال الحقيقي
ومن ثمّ، فإن الحصان العربي يُعد رمزًا للجمال بين الخيول. إنه مُرهف الحس ويتحلى بالشجاعة والقوة والتواضع والذكاء الحاد والحيوية والولاء والمظهر النبيل الراقي، كما أنه يملك قدرات بالغة الدِّقة على السمع والتوجيه، بالإضافة إلى عظام قوية نحيفة، وقلب كبير حنون. تمنحه كل هذه الميزات قوةً مذهلةً للصمود، وتجعله كائنًا فريدًا من نوعه في العالم، بالإضافة إلى قدرته الهائلة على نقل الصفات الوراثية إلى نسله، ما يتوِّجه أميرًا على عرش سلالات الخيول، يفتخر بالعمل بنفس تميّز الحصان العسكري أو باعتباره مثالاً استثنائيًا على السموّ والقوة والروحانية والجسارة والوفاء، حيث يتجلى فيه إبداع الخالق.
يسهل في أيامنا الحالية تفهّم الشغف المتّقد تجاه الخيول العربية الأصيلة. وما زالت تُستخدم للتفوق على غيرها من السلالات في ثلاثة أغراض: سباقات وعروض الخيل، وأغراض ركوب الخيل (بصفة خاصة سباقات تحمّل الخيول، التي تبرع فيها)، وثالثًا، الحصول على المتعة الهائلة بالحفاظ على نقاء السلالات الشهيرة.
ويقوم الكثير من ملّاك الخيول، ولا سيّما في المواطن الأصلية للخيل العربية، بحماية أنقى السلالات النادرة من الأفراس والفحول الفريدة. على سبيل المثال، قام ملك المغرب ببناء مزرعة خيول فاخرة للغاية باسم “بوزينكا (Bouzinka)” وذلك لحماية هذا النسل النقي من أمهار الصحراء الأصيلة المنحدرة من سلالة أقرب ما تكون إلى القداسة.
تكشف العينان الواسعتان لدى هذه المخلوقات الرائعة عن شجاعتها وذكائها واستعدادها الكامل لمنح قلوبها وروحها لمن تحب.